السرقة عند الأطفال:
فوجئتِ بأن طفلكِ يسرق النقود من حقيبتكِ الخاصة، أو من محفظة نقود والده؟
استدعتكِ آنسة الفصل لتخبركِ بأن طفلكِ يقوم بسرقة طعام أو نقود وممتلكات زملائه في الفصل الدراسي؟
أُحرجتِ وأنتِ في إحدى الزيارات العائلية للأهل، الأقارب، الأصدقاء أو الجيران بأن طفلكِ يأخذ من ممتلكاتهم سراً ويخبئها حتى لا يشعر به أحد!
هل ازداد الوضع سوءاً لدرجة أنه أصبح يسرق من الأسواق والمحلات التجارية، ويلوذ فاراً!
ماذا تفعلين إذا ما قام طفلي بأحد تلك التصرفات؟ كيف تواجهين مشكلة السرقة عند طفلكِ أو أطفالكِ؟ دعينا نتعرف على مفهوم السرقة، ومظاهرها، وأسبابها وطرق علاجها والوقاية منها في هذا المقال.
مفهوم السرقة ومظاهرها:
تعتبر السرقة عند الأطفال من المشكلات الاجتماعية الحساسة التي تستلزم الوقوف عندها، والتعرف على الدوافع الأساسية الكامنة وراءها؛ لأن تأصل هذه المشكلة عند الأطفال قد تدفعهم مستقبلاً إلى ارتكاب أخطاء جسيمة تؤثر في المجتمع، وفي نظرة الآخرين إليهم، وعلاقتهم الاجتماعية بالأخرين.
وقد تتطور لتصبح مرضاً بحد ذاته من الصعب للفرد أن يتخلص منه بسهولة. وقد عُرّفت السرقة بأنها العدوان المقصود أو غير المقصود على ملكية الأخرين.
فالسرقة مشكلة اجتماعية تظهر على شكل اعتداء شخص على ملكية الآخرين بقصد أو بدون قصد بغرض امتلاك شيء لا يخصه. وحتى يوصف هذا السلوك بأنه سرقة لا بد أن يعرف الطفل أن من الخطأ أخذ الشيء بدون إذن صاحبه.
والسرقة قد تكون نوعاً من الاستسلام المتسرع لدافع أو رغبة مؤقتة أو مجاراة لمجموعة من الناس أو قد تكون اضطراباً نفسياً يقوم بها الطفل العصابي. فالسرقة عند الفرد غالباً ما تكون صفة مكتسبة يتعلمها الطفل من معايشته للآخرين وتفاعله معهم كما يحدث لأنماط السلوك الأخرى.
فالطفل إذا لم يدرب في إطار الأسرة على التفريق بين ما يخصه وبين ما يخص الآخرين فإنه من الصعب أن نتوقع منه أن يكون أكثر تمييزاً بين ما يحق له وما لا يحق له خارج المنزل. وسرعان ما يتعلم الطفل بخبرته أن كثيراً من الأشياء محرمة عليه، غير أنه لا يدرك الأسباب التي أدت إلى هذا التحريم، ولذلك فإن الخوف من العقاب، وسخط الوالدين في مطلع حياة الطفل هو السبب الذي يمنع صغار الأطفال من السرقة.
ولكن السرقة تحتاج إلى مهارات عقلية وجسمية تساعد الطفل عليها إذا ما توفرت لديه الرغبة في ذلك. ومن هذه المهارات: سرعة حركة الأصابع، وخفة الحركة العامة، ودقة الحواس من سمع وبصر، والقوة الميكانيكية، ووفرة الذكاء العام، ودقة الملاحظة ... إلخ.
والسرقة البسيطة كثيرة الشيوع عند الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة والوسطى وتبلغ ذروتها في حوالي 5 - 8 سنوات حيث تميل بعدها إلى التناقص مع نمو الضمير عند الطفل وابتعاده تدريجياً عن التمركز حول الذات.
والسرقة العادية إذا استمرت بعد سن العاشرة من العمر، فإنها تدل على وجود اضطراب انفعالي خطير عند الطفل وهي بحاجة إلى مساعدة متخصصة فورية. فقد دلت الدراسات أن حوالی ۲۰ ألف طفل في أميركا يحالون سنوياً إلى محكمة الأحداث بسبب السرقة.
أما السرقة التي تحدث دون سن العاشرة من العمر وتكون لمرة واحدة فقط فلا يمكن أن نعلق عليها الكثير من المخاطر؛ لأن الأهمية المرضية لمشكلة السرقة تكون في تكرارها.
وتثبت الدراسات أن هناك اختلافاً في نوعية وكيفية السرقة عند الأطفال (ذكور وإناث)، ولكنها تشكل حوالي 70% من أعمال الشغب ككل عند الأولاد والشباب. وهذه النسبة تكثر عند الذكور بمعدل عشرة ذكور لكل أنثي (10/1).
أسباب السرقة:
قد يسرق الطفل الصغير؛ لأنه لا يكون قد وصل إلى مرحلة من النمو العقلي والاجتماعي والتي تمكنه من التمييز بين أملاكه وأملاك الآخرين، وأن للأخرين ملكية خاصة لا بد من أن تحترم. إن مثل هؤلاء الأطفال يجدون صعوبة في التمييز بين الاستعارة والسرقة. فالسرقة ليست إلا سلوكاً يعبر عن حاجة نفسية. ولهذا يمكن أن تكون أسباب السرقة مباشرة وقد تكون غير مباشرة. كما قد تكون من أجل إشباع حاجة جسمية أو نتيجة لعوامل نفسية بيئية.
ويمكن إجمال أهم الأسباب الداعية إلى السرقة فيما يلي:
1. قد تكون دوافع السرقة دوافع مباشرة ظاهرة، فقد يسرق الطفل نتيجة الحاجة المادية؛ وذلك بسبب الخلفية الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها. فالطفل يسرق لشراء بعض الأشياء التي يرغب فيها، وهذه السرقات قد تكون نقوداً أو سلعة، أو خطف أطعمة من العربات أو المحلات التجارية. فالسرقة تكون هنا نتيجة للحرمان الذي يعانيه الطفل. وقد تظهر دوافع السرقة في هذه الحالة نتيجة وفاة الوالد، أو عجزه عن مساعدة الأسرة مما يجعل الطفل يلجأ إلى السرقة لسد كفافه وكفاف أسرته.
2.قد تكون السرقة عند الطفل لتعويض الشعور بالنقص، وتدعيم احترام الذات والدونية. فالطفل يسرق ويعطي للآخرين ليثبت لهم رجولته وكفاءته خلال إشعارهم بأنه قادر على مجاراتهم في النفقات. كما يستمتع بعض الأطفال بالسرقة لوجود حس المغامرة والاستثارة فيها، أو لإشباع هواية خاصة، كما يسرق الطفل من منزله ليعطي زملاءه بالمدرسة مثلاً؛ لأنه يرى أن إعطاء مثل هذه الحاجيات المادية للزملاء تجعله مقبولاً عندهم، وليؤكد مكانته الاجتماعية كذلك.
3. كما أن الطفل يسرق بدافع لاشعوري للانتقام من أحد والديه؛ بسبب فقدان العطف أو الحرمان الذي عاناه في الأسرة ولهذا يبرهن بسلوك السرقة عن كراهية وعدوان لوالده. كما قد تكون السرقة بدافع الانتقام من الآخرين للأخذ بالثأر. فالسرقة كثيراً ما تستخدم كطريقة لتسوية الحساب عن ظلم حقيقي أو وهمي يلحق بالطفل أو يخيل إليه أنه لحق به، فهي مواجهة انتقامية، وتعويض للعطف الذي حرم منه.
4.قد تكون السرقة تعويضة رمزية لغياب الحب الوالدي أو الاهتمام أو الاحترام أو المودة، أو بسبب ترك أحد الوالدين للبيت أو وفاته. فقد أكدت الدراسات أن الكثير من حالات السرقة عند الأطفال تكون نتيجة تنشئة أسرية سيئة والتي كثيراً ما تتسم بالنبذ التام للطفل.
5. كما يمكن أن تكون السرقة عند الطفل نتيجة للقدوة السيئة من الأطفال الذين يمارسون أمامه السرقة الخفيفة في المنزل أو في المدرسة أو المجتمع. كما أن اختيار الطفل لنموذج سيء للاقتداء به قد يؤدي إلى التوحد معه.
6.كما تدفع الغيرة بالطفل إلى السرقة، وقد يكون ذلك بطريق غير مباشر قد
نجهله إلا إذا استطعنا فحص الموقف ودراسته بدقة. فالطفلة التي تسرق حاجيات غيرها من الأطفال سواء في المدرسة أو من بيوت زميلاتها اكتشف أن هؤلاء الزميلات كن يعرضن ما يشترينه من جديد من الألعاب ويتباهين به أمام هذه الطفلة مما جعل الغيرة تعتمل في نفسها، وتعمد إلى اختلاس حاجيات زميلاتها وتحطيمها دون الانتفاع بها. فالطفل لا توجد لديه إلا درجة احتيال متدنية في مواجهة الإحباط ويجد صعوبة في مقاومة الإغراء.
7.وفي بعض الأحيان تكون السرقة مرتبطة بنوع من أنواع التوتر الداخلي وينوع من أنواع الصراع العقلي عند الطفل، مثل الاكتئاب أو الغيرة من ولادة طفل جديد أو الغضب مما يجعله يحاول استعادة الشعور بالارتياح من خلال السرقة. فالسرقة التي يقوم بها الطفل العصابي دليل على نقص الحب والدافع إليها لاشعوري.
8.المجلات البوليسية، والأفلام التلفزيونية والتي يعرض فيها نماذج من حالات السرقة والسطو يمكن أن تجعل الطفل يعجب ببعض الشخصيات ويقلدها في أفعال السرقة وتخلق لديه الأعذار والمبررات لذلك.
9.قد تكون السرقة نتيجة للإخفاق في الدراسة أو اشباع انفعالي لطاقة زائدة موجودة عند الطفل لم تجد المتنفس الطبيعي لإشباعها.
10.الافتقار إلى التنشئة الاجتماعية الصحيحة، وغياب التوجيه في الأسرة، وعدم وجود معايير أخلاقية في الأسرة أو مثل عليا، مما يجعل الطفل في ضياع وتفكك ويميل إلى الانحراف وقد تكون السرقة أحد السبل التي ينخرط فيها.
11.كما يلجا الطفل إلى السرقة نتيجة وجود القسوة والحرمان والعقاب أو التدليل المتطرف داخل الأسرة. فالأسرة المتصدعة والسلوك المسرف من قبل الوالدين يؤدي إلى الشعور بعدم الأمان وعدم الاستقرار عند الطفل مما يؤدي إلى سلوك غير متكيف وهو اللجوء إلى السرقة.
المصادر:
الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.