القائمة الرئيسية

الصفحات


 الشعور بالغيرة عند الأطفال: 

 

مفهوم الغيرة ومظاهرها: 

 

تعتبر الغيرة من المشكلات السلوكية الشائعة عند الأطفال، تظهر على شكل انفعال يعبر عن مدى حساسية الطفل للعلاقة العاطفية بينه وبين والديه والتي تظهر في سلوكه على شكل فعل يعبر عن شعوره المؤلم الداخلي. 

 

فالغيرة إذاً، هي عبارة عن انفعال ينشأ من الإحباط، ومن القلق الناتج عن شعور الطفل بتناقص اهتمام ومحبة الوالدين؛ نتيجة ولادة مولود جديد للأسرة، أو شعوره بخيبة الأمل في الحصول على رغباته، أو الشعور بالنقص بسبب الإخفاق أو الفشل. فالغيرة هنا مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلوك الاتكالي عند الطفل. 

 

 

والغيرة عند الطفل تعني إصراره على التمسك بما كان قد تعرف عليه واعتبره ملكاً له، ولهذا يخاف من فقدان هذا الشيء مما يولد لديه الشعور بالتهديد والصراع. 

 

فالغيرة إذاً انفعال مركب يجمع بين حب التملك والشعور بالخوف والغضب والحقد، والشعور بالنقص. فقد تظهر هذه الغيرة على شكل عدوان على الأخ أو الأخت الأصغر، أو على شكل عدوان على الذات، أو عدوان على ممتلكات الأسرة أو ممتلكاته الخاصة. 

 

من جهة أخرى يصاحبه الشعور بالغيرة النكوص إلى مرحلة سابقة (كالتبول، مص الأصابع ...)، أو الشعور بالخجل أو شدة الحساسية، أو الشعور بالعجز والنقص، أو فقدان الشهية للطعام، أو الانسحاب من الناس عامة. 

 

 

ولهذا قد يلجأ الوالدان إلى القسوة في التعامل مع الطفل الذي يشعر بالغيرة، وقد يسخران منه أو يعرضانه للنقد، أو يحقرانه، أو يلجأن إلى العقاب البدني لترك هذه العادة. وإذا استمر الطفل في هذه الحالة، ولم يجد ما يعوضه، فقد يلجأ إلى أساليب تكيفية غير سوية. فقد تظهر عنده بعض الاضطرابات السيكوسوماتية كالاضطرابات المعدية، وحالات القيء العصبي، والعزوف عن الطعام، والاكتئاب ما ينجم عن ذلك أضرار كبيرة بالصحة النفسية والصحة الجسمية لدى الطفل. وتؤدي إلى شعوره بالعجز والنقص، ويفقد ثقته بمن حوله وبنفسه، ويشعر بأن الآخرين يتآمرون ضده مما يسيء لعلاقته بالآخرين. 

 

ولكن يجب التأكيد بأن الغيرة ليست في كل مظاهرها دليلاً على الخطر، فهي ضمن حدود معينة حالة طبيعية، تعبر عن الشعور بفقدان واقعي أو متخيل لشيء يهدد أمن الطفل، وتزول الغيرة بزوال هذا الشعور. أما إذا كانت الغيرة شديدة ومتطرفة، فإنها تؤثر في توافق الطفل حاضراً ومستقبلاً. فالطفل الغيور لا يشعر بالسعادة أبداً، ولا يستقر على حال. فهو يشعر بالحزن، والألم، والكره، والحقد تجاه الآخرين عندما يصيبهم الخير.

 

والغيرة كحالة انفعالية تكاد تكون عامة بين جميع الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة (الست سنوات الأولى من عمر الطفل)، حيث تظهر في مرحلة الرضاعة، وذلك عندما يداعب آباء الطفل طفلاً آخر غريباً، ويظهران نحوه بعض مشاعر الحنو والاهتمام ويقومان بحمله، حيث تظهر الغيرة لدى الرضيع على شكل شد الطفل الآخر بشعره أو ضربه أو بكائه. 

 

ولكن قمة الشعور بالغيرة تظهر عند الطفل فيما بين 3-4 سنوات حيث أن هذا السن يتزامن مع مرحلة شعور الطفل بالتمركز حول الذات. 

 

أما عندما يبلغ الطفل سن العاشرة من العمر، فيعبر عن غيرته بالوشاية وإيقاع الأذى بالآخرين. إذ كلما زاد عمر الطفل، كلما تعلم كيف يخفي مظاهر الغيرة ويستبدلها بمظاهر اخرى تعبر نفسياً عن الغيرة.

 

وبحسب الدراسات، فأن الغيرة يمكن أن يعبر عنها من خلال المظاهر التالية: 

 

• الغضب: حيث يظهر على شكل شتائم ومضايقات وتدمير وتخريب وعصيان؛ نتيجة الشعور بالإحباط.

 

• ميل إلى الصمت: ويبدو على شكل انطواء وخجل وسلبية، وفقدان الشهية للطعام، والنكوص لمراحل طفلية مبكرة وغيرها من مشاعر النقص.

 

• مظاهر جسمية: وتظهر على شكل صداع، والشعور بالتعب، والتأرض وكل ذلك من أجل جذب انتباه الآخرين.

 

• مظاهر نفسية: كالحزن واليأس، والبكاء المتكر ، والتبول اللا إرادي ج، ومص الأصابع، وقضم الأظافر، والعودة إلى لغة الأطفال الصغار محاولة منه لكسب عطف الآخرين.

 

• الميل إلى التحايل؛ وذلك لحصول الطفل على ما فقده، مثل تقبيل المولود الجديد للاحتفاظ بمركزه عند أمه. 

 

وتبين الدراسات أيضاً أن نسبة الشعور بالغيرة عند الإناث أكثر منها عند الذكور ، وكذلك عند الأذكياء أكثر منها عند قليلي الذكاء. 

 

كما وجد أيضاً أن الغيرة تظهر أكثر عند الأطفال عندما لا يوجد بينهم فارق كبير في السن، وكذلك فإن الطفل الكبير أكثر غيرة من غيره من الأطفال الذين ولدوا بعده، حيث كان الطفل الأكبر محط أنظار الآخرين في الأسرة. كما أن الطفل الوحيد الذي يحتل مركزاً هاماً في الأسرة قد يظهر لديه الشعور بالغيرة أكثر من الأطفال الآخرين عندما تتناقص الامتيازات التي كان يتمتع بها لمجرد ولادة طفل آخر مؤخراً، خاصة عندما يقوم الآباء بمقارنة الطفل الأصغر بالأكبر وإظهار محاسنه أو الإغداق عليه بالهدايا وإهمال الطفل الأكبر. 

 

والجدير ذكره أنه لا بد من التمييز بين الشعور بالغيرة، والمنافسة، والحسد. فالمنافسة سلوك إيجابي يدفع إلى التفوق وبذل الجهد لتحقيق مزید من النجاح. أما الحسد فهو يكون على شكل تمني زوال الخير من الشخص الآخر نتيجة امتلاكه لشيء ما وعدم امتلاكه هو هذا الشيء. أما الغيرة فهي شعور الطفل بحقه في حيازة شيء معين، والخوف والقلق من فقدان هذا الحق وأن يمتلكه طفل آخر.

 

أسباب الغيرة: 

 

تتعدد أسباب الغيرة وتختلف وفقاً لمراحل النمو التي يمر بها الطفل، ويمكن اعتبار الكبار مسؤولين عن وجود الغيرة عند الطفل، وذلك من خلال العديد من الممارسات الخاطئة التي يقومون بها بقصد أو بدون قصد. وأهم هذه الأسباب ما يلي:

 

 

• میلاد طفل جديد للأسرة: مما يجعل الوالدين يحولان انتباهها من الطفل الأول إلى الطفل الثاني. وهذا ما يجعل الطفل الأول يشعر بالغيرة من المولود الجديد الذي سلب الطفل الأكبر الكثير من الامتيازات، وسلبه اهتمام ورعاية الوالدين وحبهما له مما يجعله يشعر بالتهديد، وعدم الثقة بمن حوله. وقد يلجأ إلى الاعتداء على من كان السبب (المولود الجديد). 

 

• وقد يشعر الطفل بالغيرة من أحد والديه كما هو في حالة عقدة أوديب وعقدة إلكترا. فقد تظهر الأم مثلاً عناية زائدة بالأب، أو قد يشاهد ما يدور بينهما من علاقات عاطفية وجنسية مما يجعله يشعر بالقلق على نفسه ومدى فقدان حب أمه ورعايتها له.

 

• التمييز في المعاملة: فقد يشعر الطفل بالغيرة نتيجة لشعوره بأن الوالدين يميز أحد أخوته عليه وذلك بسبب ذكائه أو جماله أو غير ذلك من المميزات، ومحاولتهما إبراز هذه الفروق أمام الآخرين من الأصدقاء والجيران وغيرهم، وإشعار الأطفال بأن ذلك مهم، مما يؤدي إلى شعور الطفل بالغيرة والحقد والكراهية ويتحين الفرصة للانتقام من الطفل المميز، ومن الوالدين في آن واحد. أو قد يلجأ إلى كبت مشاعر الغيرة في نفسه مما يسبب له مشکلات نفسية أكثر تعقيداً.

 

• كما أن تمييز الوالدين للذكور عن الإناث مثلاً يولد لدى الذكور الغرور، ويثير الغيرة عند الإناث. وقد تكون هذه الغيرة ظاهرة، وتكون على شكل بكاء وشتم وتوبيخ أو غير ذلك. وقد تكبت الغيرة عند الإناث لتظهر في حياتهن مستقبلاً وتكون على شكل كراهية عامة لكل الرجال، وعدم الثقة بهم.

 

• من جهة أخرى يخطىء الآباء حين يغدقون بالامتيازات على الطفل العليل كإحضار اللعب، والحلوى، والملابس وغير ذلك دون إعطاء الأخوة الآخرين مثل ذلك. مما يجعل هؤلاء يميلون إلى التعارض والنكوص، وكراهية الطفل العليل وغير ذلك من سلوك قد يكون ظاهراً أو مستتراً. 

 

• سوء معاملة الوالدين للطفل وقسوتها عليه: فالقسوة في معاملة الطفل وشعوره بأنه مهمل ومنبوذ، أو عقابه بالضرب، أو اللجوء إلى إذلال الطفل من خلال تحقيره أو معايرته، يؤدي إلى الشعور بالنقص والعجز وعدم القدرة على إثبات الذات كإخوته الذين لا ينالون المعاملة نفسها

 

• الغيرة عند الطفل الوحيد: ينشأ الطفل الوحيد بين أبوين دون أن يكون له أخوة يشاطرونه امتیازاته. وهذا الطفل يكون محاطاً بكل ضروب العناية والرعاية، ويستحوذ على اهتمام الوالدين، فهو مرکز اهتمام الأسرة. ويكون في الغالب أنانياً متعوداً على الأخذ دون عطاء. فإذا خرج هذا الطفل ليلعب مع رفاقه، فإنه يصطدم معهم؛ لأنهم لا يسمحون له بأن يأخذ كل شيء دون أن يعطي، ولا يسمحون له بالاعتداء دون أن يعتدى عليه مما يجعله يصطدم بالواقع ويشعر بالخيبة، ويشعر أيضاً بأن الناس يعادونه ويتآمرون عليه، وقد يستمر هذا الشعور حتى في كبره بعد أن يتزوج ويكون أسرة مما يخلق لدية مشکلات مع أولاده وزوجته وحتى في مهنته.

 

• والشعور بالغيرة التي يشعر بها الطفل الوحيد عند خروجه للمدرسة أو الحياة أقسى وأشد من الغيرة التي يشعر بها في إطار أسرته، حيث تنعدم لديه الامتيازات الخاصة التي كان يستأثر بها في أثناء طفولته من والديه. 

 

• الفشل أو التقصير في الدراسة: فالطفل الراسب يحاول التعبير عن غيرته بإلصاق التهم بالأطفال الناجحين وإذاعة الشائعات عنهم ليقلل من شأنهم أمام الآخرين.

 

• الشعور بالنقص: إن أشد أنواع الغيرة عند الصغار والكبار هو الشعور بالنقص، والذي يترافق أحياناً مع عدم القدرة على التغلب عليه. كنقص في الجمال أو نقص في القدرات الجسمية أو الحسية أو العقلية. فالأطفال المعرضون للغيرة يكونون ضعيفي الثقة بأنفسهم نتيجة الشعور بالنقص.

 

 

المصدر:

 

الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.