القائمة الرئيسية

الصفحات

السلوك العدواني عند الأطفال

 





العدوان لدى الطفل:

طفلكِ ذو سلوكٍ عدواني، يضربكِ أو يضرب والده وأخوته، وكذلك أقرانه وزملائه في الفصل أو أطفال الأهل والأقارب!

 

وقد يقوم بإيذاء الحيوانات وتعنيفها كالقطط والعصافير والحمام! أو أنه دائم الفوضى والأذى يقوم بتكسير الأثاث في البيت مثلاً أو الممتلكات العامة في المدرسة والأماكن والحدائق العامة!

 

 

يعتبر العدوان عند الأطفال الصغار استجابة طبيعية وعرضة عادية، حيث تلاحظه بكثرة على شكل غضب وصراخ ومشاجرات تعبر عن حاجة الطفل إلى حماية أمنه أو سعادته أو فرديته أو تعبير عن محاولة لتذليل العقبات التي تواجهه أو تقف في سبيل تحقيق رغباته. ولهذا يعتبر العدوان ضرورياً لحفظ التوازن الشخصي، ويساعد على نمو الذات والاستقلالية. 

 

وبناء على ذلك يمكن تعريف العدوان:

 

بأنه ذلك السلوك الهجومي الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى بالناس أو بالذات أو بالممتلكات. ویری البعض أنه يعني الهجوم على الآخرين والذي يرجع في الغالب وليس دائماً إلى المعارضة. وقد يعرّف بأنه ذلك السلوك الذي يكون الهدف منه إيذاء شخص آخر. وهذا الهدف يشكل الجانب الجوهريوالأساسي من جوانب تعريف العدوان. 

 

ولكن أحياناً قد لا يكون عدوان الطفل على شخص آخر هو الهدف الأساسي، ولكنه وسيلة إلى غاية أبعد في الحصول على اهتمام الآخرين ممن لهم أهمية خاصة عنده. ولهذا  فإن هذا السلوك يوصف بأنه عدوان وسيلي Instrumental Aggression.

ويعرف آخرون العدوان بأنه:

 

حالات السلوك الموجهة لإيقاع الأذى بشخص ما بشكل مباشر أو غير مباشر. والأذى الذي يمكن أن يلحق بالشخص قد يكون نفسياً (إهانة، خفض الاعتبار ... ) أو جسمياً.

 

ولهذا بناءً على ما تقدم يمكننا تعريف العدوان على أنه سلوك موجه ضد الآخرين، يكون القصد منه إيذاء الآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر. 

 

فالعدوان المباشر يمكن ملاحظته بسهولة عند تلاميذ المدارس على شكل مشاجرات، وضرب بعضهم البعض، وإيذاء في الكلام، وإيذاء الحيوانات، وتهدید بعضهم بعض ... إلخ. 

 

أما العدوان غير المباشر فيكون كامناً وغالباً ما يحدث من قبل الأطفال الأذكياء، حيث يتصفون بحبهم للمعارضة وإيذاء الآخرين بسخريتهم منهم، أو بتحريض الآخرين للقيام بأعمال غير مرغوبة اجتماعياً. 

 

ويمكن أن يحدث السلوك العدواني المباشر والسلوك العدواني غير المباشر كل منهما على حدة، كما يمكن أن يحدثا معاً على شكل وحدة.

 

والطفل الذي يكثر عدوانه ويكون هذا العدوان شديداً لديه يميل إلى أن يكون قهرياً، ومتهيجاً، وغير ناضج، وضعيف التعبير عن مشاعره. كما يتصف الطفل العدواني بالتمركز حول الذات، ويجد صعوبة في تقبل النقد أو الإحباط، كما أن الأطفال الأقل ذكاءً هم  الأكثر ميلاً إلى العدوان من غيرهم الأكثر ذكاءً. 

 

هذا وقد يكون العدوان مؤقتاً وعابراً ونادراً ما يكون موجهاً نحو هدف معين، إنه يعبر عن حالة توتر نفسي تميل إلى الانتهاء بسلوكه العدواني الذي يفرغ من خلاله الشحنات الانفعالية التي يعاني منها، هذا ويظهر العدوان عند الذكور أكثر من الإناث. والعدوان عند الأطفال يتناقص ويخف مع التقدم في العمر حيث يميل عمر 3- 7 سنوات إلى ضبط عدوانهم. فالطفل في عمر سنتين مثلاً يعبر عن عدوانه تجاه الآخرين بالضرب، أما طفل الأربع سنوات فيميل إلى المجادلة مع الآخرين لبعض الوقت، وفي عمر 8- 9 سنوات يصبح الطفل منضبطاً بشكل أكبر، مع أن المشاجرات لا تنتهي في هذا العمر، إلا أنها تكون مؤقتة. 

 

وإذا ما استمر السلوك العدواني لفترة طويلة، وكان العدوان شديداً وغير مناسب للموقف الذي أثاره، فلا بد حينئذ من أن يأخذ الآباء والمربون هذا العدوان على محمل الجد، وأن يستخدموا إجراءات سريعة وفعالة لكبح هذا العدوان.

 

وتشير بعض الإحصاءات إلى أن حوالي 10% من الأطفال في عمر عشر سنوات لديهم عدوانية زائدة بشكل ملحوظ.

 

أسباب العدوان: 

 

تعددت النظريات التي تفسر العدوان عند الأطفال:

 

• فهناك النظرية التي تفسر العدوان من خلال إحباطات الحياة اليومية، إذ أن إعاقة إشباع الرغبات البيولوجية والحاجات الغريزية عند الطفل يثير لديه الشعور بالإحباط ويؤدي إلى سلوك عدواني مثل تحطيم الأواني واللعب. كما أن معظم مشاجرات أطفال ما قبل المدرسة تنشأ بسبب صراع على الممتلكات (أحد الأطفال يحاول أخذ لعبة طفل آخر)، ولكن هذه المشاجرات تقل مع تقدم الطفل في العمر . فالشعور بالضيق قد يكون من أسباب الشعور بالإحباط فكل من يعامل الطفل بقسوة لا يلتفت إلى ما يمكن أن يحدثه من إحباط. كما أن كل عمل من أعمال القسوة والذي يقصد منه منع الطفل من البكاء أو القضاء على سلوك يضايق الكبار يؤدي إلى إحباط ويظهر على شكل عدوان عند الطفل. 

 

• أما نظرية التحليل النفسي الكلاسيكية بزعامة فروید: فترى أن غريزة الموت عند الإنسان تفسرها نزعة الكراهية، وعندما تجد هذه النزعة الطريق إلى التعبير، يسيطر العنف على الإنسان. 

 

• أما آدلر أحد تلامذة فرويد والمنشقين عنه: فيرى أن العنف والعدوان عبارة عن استجابة تعويضية عن الإحساس بالنقص. 

 

• في حين أن نظرية التقليد أو المحاكاة ترى أن العدوان يتعلم عن طريق تقليد الكبار، ویری سکوت Scott أن العدوان كأي استجابة أخرى سلوك متعلم. حيث يؤكد أن العدوان في حالة ظهوره يجب ألا يلجا إلى كبته؛ لأن ذلك يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها، ولكن يجب توجيه العدوان إلى مسالك مقبولة ولهذا تعتبر بعض مظاهر العدوان من هذه الناحية ضرورة لإحداث التوازن في الشخصية. 

 

• كما يمكن أن يزيد احتمال تعلم العدوان عندما يكافأ الأطفال لقيامهم بتصرفات عدوانية؛ وذلك عندما يحصلون على ما يريدون أو يجذبون انتباه الراشدين في محيطهم. وتؤكد الدراسات أن الناس يتعلمون باستمرار عن العدوان من خبراتهم في أسرة معينة وثقافة معينة، وبما أنهم يتعلمونباستمرار فالخبرة تلعب دوراً في الارتقاء بالعدوان أو منعه. فالأميركيون يعلمون أولادهم العدوان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ وذلك لأنهم يؤيدون العدوان، حيث أن الأطفال يتعلمون فنون القتال في بعض الحالات، وهناك أيضاً الألعاب العدوانية التي تظهر أن إيذاء الآخرين أمر مقبول ومستحب. بالإضافة إلى ذلك فإن الآباء يشجعون الأبناء على العدوان حيث أن انتصار الطفل في المشاجرة يقابل بالموافقة أو يكافأ. كما أن الآباء الذين يربون أولادهم باستخدام الضرب أو العقاب البدني، يشجعون أولادهم على استخدام الوسيلة نفسها إذا واجهتهم مشكلة شخصية وهذا هو نموذج للتعلم بالملاحظة، فالآباء يعتبرون نماذج قوية يقلدها الأبناء وتؤيد الأبحاث هذه الفكرة، حيث وجد أن الآباء العدوانين لهم أبناء عدوانيون. كما أن الأطفال الذين يميلون إلى القسوة غالباً ما يأتون من أسر تميل إلى القسوة واستخدام النظام الصارم في المعاملة. ولا ننسى التأثير السلبي لبرامج العنف في التلفزيون على الأطفال، حيث يجمع علماء النفس على أن الأطفال يتعلمون العنف والعدوان من خلال التأثر بالنموذج المعروض في التلفزيون (في برامج الكرتون مثلاً). فالطفل عندما يشاهد مناظر العنف والعدوان فإنهيميل إلى إظهار الألم سواء عن طريق الجهاز العصبي أو من خلال تعبيرات الوجه، هذا يعني أن هناك تنبيهاً معيناً يشير إلى مشاركة الطفل انفعالياً لما يحدث وتأييده لذلك. والأطفال الذين يداومون على هذه المشاهد تتبلد المشاعر الانفعالية لديهم ولا تعود تؤثر فيهم كثيراً ويحتاجون إلى مزيد من مشاهد العنف وبالتالي قد يمارسونه في سلوكهم مع الآخرين.

 

 

وتؤكد النظرية البيولوجية على أن العدوان عند الأطفال ينتج من جراء عوامل جسمية مثل التعب أو الجوع أو الحد من نشاطهم وحركتهم، أو وجود آلام جسمية لديهم، أو في حالة توتر الجهاز العصبي عندهم. كما وجد أن اضطراب الصبغيات مثل حالات (xxy) عند الأفراد قد تثير العدوان عندهم. بالإضافة إلى ما أكدته الدراسات بأن هناك علاقة بين الصرع والعدوان. وهناك عدة أجهزة عصبية في المخ تتحكم في نوعيات معينة من العدوان، وأن هذه الأجهزة تعمل عندما تصل إلى عتبية معينة. فعند الوصول إلى العتبة المنخفضة مثلاً نجد أن أجهزة المخ تنشط لا إرادياً، وتشعر الحيوانات بالقلق وربما بالعداء إلا أن الانقضاض لا يحدث إلا إذا ظهر هدف مناسب. كما يمكن أيضاً لأجهزة المخ التي لها دور في العدوان أن تكثف الدوائر العصبية المسيطرة على العدوان في أداء وظيفتها ويمكن أن تمنع الدوائر العصبية من أداء وظيفتها، فمثلاً عندما قام علماء النفس بإثارة الجزء الجانبي من الهيبوثلاموس لقطة، قام الحيوان بمهاجمة الفأر ولكن بطريقة نمطية بالإضافة إلى ذلك فإن الصراعات النفسية والانفعالات المكبوتة عند الأطفال تدفع بهم إلى العدوان. فقد وجد سیرز Sears أن هناك علاقة بين العدوان وشعور الطفل بعدم الأمان، كما وجد أيضا أن العدوان يظهر أكثر عند الأطفال الذين يشعرون بالنبذ، ودلت الدراسات أيضاً أن العدوان لا ينجم في كل الحالات عن رغبات وميول طبيعية لدى الطفل وإنما يكون في الكثير منها عائداً إلى أزمات نفسية كالغيرة أو الغضب أو الحرمان من الحنان. ففي حالة فتاة في سن الثامنة بلغت بها الغيرة من أخيها الذي تعلم عزف الموسيقى إلى الحد الذي جعلها تحطم مفاتيح البيانو. فالحرمان من عطف الآباء وحبهم يجعل الأطفال أكثر من غيرهم ميلاً إلى العدوان في كل مواقف الحياة بما في ذلك مجالات اللعب. فعلاقة الآباء بأبنائهم علاقة هامة وحساسة، حيث يشعر الطفل بحب والديه، ويرى فيها مصدراً لإشباع حاجاته من حب وحنان ودفء عاطفي، وحماية وأمن، ولكنها في الوقت نفسه مصدر للسلطة، ولهذا يشعر الطفل بصراع بين شعوره بالحب لوالديه وكراهيته للسلطة الصادرة عنها.

 

• يحدث العدوان عند الطفل عندما يحدث تغير جوهري في حياته مثل مرحلة الفطام، ومرحلة الذهاب إلى المدرسة، ومرحلة الانتقال من الطفولة إلى المراهقة أو الانتقال من مدرسة إلى أخرى.

 

• كما يلجأ الطفل إلى العدوان على بعض ما تقع عليه يداه بسبب حب الاستطلاع والرغبة في اكتشاف بعض الأمور الغامضة بالنسبة إليه، فقد يدمر الطفل دمية ثمينة ليعرف ما بداخلها مثلاً، وقد يضرب القطة الآمنة ليسمع مواءها ... إلخ. 

 

• كثرة الشجار بين الوالدين مما يؤدي بالطفل إلى شعوره بعدم الثقة من حوله مما ينعكس على شخصيته وفي ضعف قدرته على السيطرة على المشاكل والصعوبات التي تواجهه.

 



المصادر: 

الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، دأحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع - سلطنة عمان، 2013.