القائمة الرئيسية

الصفحات

 


الكذب عند الأطفال: 

طفلكِ كثير الكذب! يكذب في كل المواقف ولايقول الحقيقة! يكذب على الجميع! 

 

يروي أحداثاً ومواقفاً لا صحة ولا وجود لها، لكن بإسلوب مقنع وواضح يجعل ما يرويه قابلاً للتصديق!

 

 

قد تشتكي إحدى الأمهات قائلةً، أو يشتكي أحد الآباء قائلاً: 

 

'' نحن عائلة مؤمنة وملتزمة، نعلّم أطفالنا منذ الصغر على الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي، لكن ومع ذلك فأحد أو بعض أطفالنا يكذبون، ويقسمون بالله، ويلحلفون الأيمان كاذبين!''

 

فلماذا؟ ورغم كل ذلك يلجأ الطفل إلى الكذب! 

 

هل أن الكذب يخبئ وراءه شعوراً بالخوف؟ مم الخوف؟ الخوف من الحقيقة ذاتها؟ الخوف من العقاب وعدم التقبل؟ أم نكران الطفل وعدم قدراته على الاعتراف بأنه قد أخطأ! 

 

رافقونا في هذه المقالة لنتعرف على تعريف الكذب، ومنشئه، وأثره في شخصية الطفل، وكذلك علاجه وطرق تجنبه.

 

مفهوم الكذب ومظاهره: 

 

يعني الكذب ذکر شيء غير حقيقي في القول والعمل والسلوك وبنية غش أو خداع شخص آخر من أجل الحصول على فائدة أو التملص من أشياء غير سارة. فالكذب عادة واتجاه غير سوي يكتسبه الطفل من البيئة التي يعيش فيها. والكذب نزعة خطيرة وسلوك اجتماعي غير صحيح ينتج عنه الكثير من المشكلات الاجتماعية. 

 

بالإضافة إلى أنه يعود الطفل على هذا السلوك فينشأ كذاباً. ولكن الكذب الذي يشغل بال الآباء والأمهات والمربين قد يكون بحكم مرحلة النمو التي يمر بها الطفل. فالطفل يكذب رغبةً منه في جذب انتباه الآخرين. 

 

كما يجد الأطفال في سن ما قبل المدرسة الابتدائية صعوبة في التمييز بين الخيال والواقع، مما يجعلهم عرضة للوقوع في الكذب. وينتشر الكذب عادة بين الأطفال دون الخامسة، والكذب عند هؤلاء الأطفال قد يكون حالة عارضة ومألوفة. وبالرغم من ذلك فإن له دوافع وقوى نفسية تؤثر في سلوك الطفل. أما الكذب عند أطفال المدرسة الابتدائية فهو يكون من نوع الكذب اللا اجتماعي. حيث يتم 

الكذب عن قصد؛ لينفي الطفل عن نفسه تهمة أو ليدفع عن نفسه عقوبة أو ضررة ما. أو للحصول على مكاسب، أو ليحط من الآخرين، أو للانتقام نتيجة الشعور بالغيرة. فالأطفال يختلفون في مستوى نموهم الأخلاقي وفي فهمهم للصدق، حيث أن صدق الأطفال هو صدق لفظي. 

 

وقد ميّز الباحثون بين ثلاث مراحل لمعتقدات الأطفال حول الكذب، وهذه المراحل هي: 

 

المرحلة الأولى: يعتقد الطفل بأن الكذب خطأ؛ لأنه موضوع تتم معاقبته من قبل الكبار، ولو تم إلغاء العقاب لأصبح الكذب مقبولاً. 

 

المرحلة الثانية: يصبح الكذب شيئاً خاطئاً بحد ذاته، ويظل كذلك حتى لو تم إلغاء العقوبة.

 

المرحلة الثالثة: الكذب خطأ؛ لأنه يتعارض مع التعاطف والاحترام المتبادل. 

 

ولمعرفة مستوى المرحلة التي وصل إليها الطفل يمكن طرح الأسئلة التالية: 

 

- لماذا يعتبر ذكر الأكاذيب خطأ؟ 

 

- هل يكون مناسبة أن تكذب إذا لم يعلم أحد ولم يقم أحد بمعاقبتك على ذلك؟ 

 

والجدير بالذكر فإن معظم الأطفال يكذبون عندما يكونون في المرحلة الثانية (في عمر ست سنوات)، وفي المرحلة الثالثة يستمر حوالي ثلث الأطفال من عمر ۱۲ سنة بالكذب، والكذب قد يأخذ أشكالاً مختلفة منها: 

 

كذب التقليد، والكذب الخيالي، والكذب الذي يكون خلطاً بين الواقع والخيال، والكذب الادعائي أو المرضي، والكذب الغرضي أو الأناني، والكذب الانتقامي، والكذب الدفاعي، والكذب العنادي وغير ذلك من أنواع. 

 

ولهذه الأنواع من الكذب أسباب ودوافع تكمن وراءها.

 

أسباب الكذب: 

 

من ضمن أسباب الكذب ما يلي: 

 

1.تقليد سلوك الراشدين: فالطفل يتعلم الكذب من قدوة سيئة سواء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع (كذب العدوى). فمن المعروف أن الطفل يتعلم الصدق أيضاً من الكبار المحيطين به، فإذا كانوا يلتزمون في أقوالهم وأفعالهم حدود الصدق المرعية يمكن أن يقلدهم الأطفال في ذلك، أما إذا نشأ في بيئة تقوم على الخداع وعدم المصارحة وإظهار الشك في صدق الآخرين، فإن ذلك يؤدي به إلى اتباع هذه الأساليب. وسوف يتبع الكذب في تعامله مع الآخرين.

 

2.يكذب الطفل للهروب من النتائج غير السارة، أو لفشله في تحقيق النجاح، وخوفاً من العقاب أو توقع وقوعه. فالعقاب إذا كان مطردة قاسية لا يتناسب وما يتطلبه الموقف أدى إلى اتخاذ الكذب وسيلة للوقاية (الكذب الدفاعي)، ولكن الكذب كثيراً ما لا يحقق الغرض من حدوثه. 

 

فالأطفال كثيراً ما يندفعون في استخدام الكذب كسلاح غريزي لوقاية أنفسهم من العقاب، أو إذا ثبت للطفل أن الأمانة والصراحة لا تساعدانه في التخفيف من العقاب.

 

3.كما يكذب الأطفال نتيجة الشعور بالنقص؛ فهم يلجأون إلى ذلك الأسلوب تعويضاً عن عجزهم وقصورهم عن التوافق مع زملائهم ورغبة في تأكيد ذواتهم. فالطفل يلجأ في سبيل المفاخرة بقيمته الذاتية إلى المبالغة في بعض المواقف التي قام بدور فيها. كما ينسج الطفل قصص خيالية تكون محتوياتها ملفقة من قبله حتى لا يتجاهل الناس أمره تجاهلاً. فالطفل يكذب ليلفت انتباه الوالدين، وكتعيير لا شعوري لإشباع حاجته إلى الأمن والحصول على حنان الوالدين. 

 

4. الصرامة في المعاملة: فقد يؤدي قلق الوالدين على أطفالهم، والتشدد في تنشئتهم على الصدق، حيث يدققون في كل عبارة تصدر عنهم، والتضييق عليهم في كل صغيرة أو كبيرة تصدر عنهم، تؤدي بالطفل للجوء إلى الكذب كمحاولة للظهور بالمظهر الذي يرغبه الوالدان. كما أن الإفراط في تدليل الطفل في صغره، ثم تغير أسلوب المعاملة بعد ذلك مما يشعر الطفل أن الأمر السابق و التدليل، قد تغير. وهذا ما يرفضه الطفل فيدفعه إلى التمارض والكذب المرضي بغية العودة إلى ما كان عليه (الكذب الادعائي). 

 

 

5.للمجتمع تأثير كبير في الطفل، حيث يدرب أحياناً على المواربة والنفاق الاجتماعي وانتحال الأعذار الواهية والنجاح بوساطتها، وإسقاط الذنب على الآخرين، والهروب من المسؤولية والواجب. فإذا نشأ الطفل في بيئة تحترم الحق وتلتزم الصدق بقدر دعوتها إليه، كان من الطبيعي أن يلتزم الطفل الصدق، أما إذا سمع الطفل أحد أبويه مراراً يشكك في صدق الآخرين، أو شاهد أمه تتملص من المسؤولية الملقاة عليها بادعاء المرض، أو إذا اشترك أحد الأبوين في خداع الأخر، أو إذا تم وعد الطفل عدة مرات دون الوفاء بذلك، فالطفل في مثل هذه الظروف يتعلم أسلوب الخداع والغش والكذب المتكرر. 

 

6.كما يكذب الطفل أحياناً كرغبة في تحقيق غرض شخصي، كأن يذهب الطفل إلى أبيه ويطلب منه النقود مدعياً أن والدته أرسلته لإحضار ذلك لقضاء بعض الحوائج، في حين أن الواقع أن الطفل يريد هذه النقود لشراء بعض حوائجه هو. 

 

7.كما يكذب الطفل أيضاً ليتهم غيره باتهامات يترتب عليها عقابهم أو سوء سمعتهم. ويحدث هذا النوع من الكذب الانتقامي نتيجة الغيرة التي يشعر بها الطفل، أو نتيجة عدم المساواة في المعاملة بين الأبناء.

 

8.كما أن صغر عمر الطفل وعدم مقدرته على التمييز بين الواقع والخيال قبل سن الخامسة يؤدي به إلى ذكر بعض الأماني والرغبات والإفصاح عنها بطريقة ممكنة التحقيق. وهذا النوع من الكذب مرتبط بالناحية الخرافية والأسطورية، والتي تكون قد تكونت نتيجة ذكر بعض القصص الخرافية من الجد أو الأب قبل ذهابه إلى النوم مثلاً. فخيال الطفل قوي لدرجة تجعله أقوى من الواقع نفسه. فالطفل هناك لا يفرق بين الواقع والخيال وتلتبس عليه الأمور، وينتج عنده تداخل في الفهم، ويصعب التفريق بينها (الكذب الخيالي أو الالتباسي). 

 

9.ویری بعض الباحثين أن بعض الأطفال يكذبون على سبيل اللعب؛ وذلك رغبة منهم في رؤية تأثير كذبهم في المستمعين، ويشعرون بالسرور لذلك.

 

10.بالإضافة إلى ذلك فقد يكذب الطفل بدافع الولاء لطفل آخر، وذلك رغبة منه في تخليصه من مشكلة أو ورطة معينة. فالطفل هنا يقع في صراع عندما يتعارض شعوره لأصدقائه مبدأ الصدق.






المصادر: 

الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د. أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع - سلطنة عمان، 2013.