القائمة الرئيسية

الصفحات


التأتأة أو اللجلجة:

هي عبارة عن اضطرابات كلامية تتجلى على شكل تقلص الكلام مصحوب بتكرار غير مرغوب، ووقفات في مجرى الكلام، وتكون إما على شكل ترددي، أو تشنجي، وتحدث في سنوات بداية التكلم، وقد تستمر حتى مرحلة البلوغ. وتشير الدراسات إلى أن حوالي نصف الأشخاص المصابين بالتأتأة أو اللجلجة هم من الأطفال.

 

الظهور:

 

والتأتأة تكون عادة في سن الثالثة أو الرابعة من العمر وذلك في أثناء اكتساب الطفل للكلام أو في سن الخامسة عند دخوله المدرسة الابتدائية، حيث تكون هناك منافسة بينه وبين زملائه، وأحياناً تحدث في سن المراهقة خاصة عند الحديث مع الجنس الآخر. 

 

كما تدلّ الدراسات الحديثة أن بعض أشكال التأتأة في الكلام يكون شائعاً بين صغار السن من الأطفال ويدعی و بالتأتأة التطورية، وتظهر عادة ما بين سن الثانية والرابعة من العمر، وتستمر إلى بضعة أشهر فقط، أما التأتأة المعتدلة فتبدأ في عمر 6 - 8 سنوات وقد تستمر لمدة سنتين أو ثلاث سنوات. 

 

أما التأتأة الدائمة فتبدأ ما بين سن الثالثة والثامنة من العمر، وتستمر إلا إذا عولجت بأسلوب فعال. 

وتعتبر التأتأة التي تظهر بعد سن الخامسة أكثر خطورة من التأتأة التي تظهر في سن أبكر. 

 

ومن الواضح أن التأتأة تظهر في معظم الأحيان ما بين الثانية والخامسة من العمر، فهناك حوالى 4% من مجموع أطفال هذه الفئة العمرية يعانون من التأتأة، ومع وصول سن المدرسة الابتدائية نجد أن 3-81% تقريباً من الأطفال يتلعثمون، وهناك إحصائية تشير إلى أن 70% من أطفال العاشرةالذين يتلعثمون يستمرون في تلعثمهم مدى الحياة. 

 

كما تشير الإحصاءات إلى أن 80% من المتلعثمين في مرحلة الطفولة لا يتلعثمون وهم راشدون، إلا أن الكثيرين منهم تتطور لديهم مشکلات شخصية مثل الخجل والانسحاب والافتقار إلى الثقة بالنفس بسبب خبرتهم السابقة. 

 

كما اشارت تلك الإحصاءات إلى أن 50% من الأطفال الذين يتلعثمون بشدة يستمرون بالتلعثم الشديد في الكبر. 

 

وتشير الدراسات أيضاً إلى أن نسبة المتلعثمين من الذكور من جميع الأعمار تبلغ 4 - 8 أضعاف نسبة المتلعثات من الإناث بالرغم من عدم ارتباط التأتأة بالذكاء والوضع الاقتصادي والاجتماعي. وفي إحدى التقارير وجد أن 10% من النساء المتلعثمات يقابلهن 90% من الرجال المتلعثمين، وأحد الأسباب هو تعرض الرجال للإثارة أكثر من النساء.

 

كما دلت الدراسات والبحوث الحديثة على انتشار التأتأة بين المصابين بأمراض نفسية وعقلية بنسبة 0.5 بالمئة وذلك من بين المترددين على عيادات الطب النفسي بالجامعة.



الأسباب: 

 

لقد تعددت الأسباب المؤدية إلى التأتأة، فالبعض منها معقد وعلاجه صعب، في حين أن البعض الآخر ليس كذلك. وسوف نوجز هنا في هذه المقالة أهم الأسباب التي تؤدي إلى التأتأة عند الطفل، وهي كما يلي: 

 

1.الأسباب العضوية: قد تنتج التأتأة عن استعداد وراثي، فمن المحتمل أن يصاب الفرد بالتأتأة إذا كان في الأسرة أفراد مصابون بالتأتاة. فقد تبين أن 60% من أفراد عينة كبيرة من المصابين بعيوب الكلام كان أحد والديهم أو أقاربهم مصاباً بهذه العيوب. 

 

كما قد تنجم التأتأة عن خلل في الجهاز السمعي عند الطفل مما يؤدي إلى إدراك الكلام بشكل خاطىء أو تأخر في حصول المعلومات المرتدة نتيجة الضعف في السمع، وقد يتطور هذا المرض إذا لم يعالج الطفل بشكل مبكر. 

 

وهناك وجهة نظر ترى أن التأتأة تنجم عن اختلال في الجهاز العصبي المركزي أو اضطراب في الأعصاب المتحكمة في الكلام، مثل وجود خلل في العصب المحرك للسان أو تعرض مركز الكلام في الدماغ لتلف معين أو وجود ورم دماغي. 

 

کا تنجم التأتأة عن عيوب في جهاز الكلام المتمثل بالفم واللسان والأسنان والفكين وسقف الحلق العلوي والداخلي وكذلك لوجود خلل في الشفتين. وهذه العيوب قد تكون خلقية وتحتاج إلى تدخل جراحي.

 

كما أن إصابة الدماغ في فترة الطفولة وخاصة مؤخرة الرأس، والتهابات الأنف، وإفرازات الغدد، واضطرابات الدورة الدموية، من الأسباب المؤدية إلى التأتأة. 

 

2.أسباب عضوية نفسية: 

 

تؤثر العوامل النفسية أحياناً في الآلية العضوية لإنتاج الكلام عند الطفل. ومن الشائع في هذه الأسباب وجود اضطرابات في التوقيت أي تشویشفي توقيت حركة أي عضلة لها علاقة بالكلام بما في ذلك الشفاه والفك. 

 

وهناك خلل في الارتباط الدقيق بين الأصوات والمقاطع، وتنتج تشويهات الكلمة عن أي خلل في الدقة المتناهية في التوقيت اللازم للحديث الطبيعي عند الطفل. 

 

وهناك نظرية حديثة تقول بوجود منعکس غير ملائم تفتح خلاله الحبال الصوتية قبل البدء بالكلام بدلاً من أن تبقى معاً في حالة ارتخاء. فبعض الأطفال يتوقفون عن الكلام فترتخي الأوتار الصوتية، بينما يقوم آخرون بإغلاق حبالهم الصوتية فتقفل، مما يجعل النطق صعباً جداً. وترى هذه النظرية أن مقاومة الفرد للإغلاق العضوي للحبال الصوتية هو الذي يؤدي إلى التأتأة.

 

 

3.أسباب نفسية وبيئية: تعتبر التأتأة أحد أعراض القلق والصراع النفسي عند الطفل وعدم شعوره بالأمن والطمأنينة النفسية. وأنها نتاج للخبرات التي تحتوي على صراع، وعلى موقف شعوري مقاوم لم يجد طريقه إلى رد الفعل. 

 

كما تعتبر أيضاً نتاجاً للمخاوف والوساوس، وكذلك للصدمات الانفعالية التي تواجه الطفل ولشعوره بالنقص، وشعوره بالإحباط في مواقف التنافس.

كما أن توقعات الوالدين غير الواقعية تؤدي إلى توترهم وقلقهم وتزيد من الضغوط النفسية عليهم. فالأبوان اللذان يجبران طفلها على الكلام قبل أن يكون على درجة كافية من النضج يسببان له التوتر والتأتأة. كما أن المبالغة في إيصال الطفل إلى الكمال يولد لديه القلق والتوتر أيضاً، فالاهتمام المبالغ فيه بكلام الطفل، وردود الفعل المبالغ فيها تجاه الطفل تسبب له التأتأة واضطراباً في الكلام. كما أن تعلم الطفل لعادات النطق السيئة، أو تشجيع الأهل له بالاستمرار في نطق الكلمات بشكل غير صحيح تلطيفاً وتدليلاً تؤدي إلى اضطرابات في الكلام واستمرارها إلى فترة متأخرة. كما أن وصف الأطفال بأنهم يتلعثمون في حديثهم يؤدي إلى تقبلهم وتقبل الآخرين لهذا التسمية مما يجعل التأتأة لديهم أكثر تكراراً. كما أن محاولات الطفل التغلب على التأتأة بشدة أمام الآخرين تؤدي إلى مزيد من التردد في الحركات التي تشبه اللازمة. 

 

كما أن التوقعات المتدنية القليلة من الطفل وتلبية كل احتياجاته خاصة في السنوات الأولى من عمره تؤدي إلى اعتماده على والديه. ويصبح نمو الكلام لديه غير ضروري ولا يشجع من قبل الوالدين مما يجعل تعبير الطفل عن نفسه غير واضح، وقد يظهر شعوره بعدم الكفاءة على شكل كلام مضطرب تشوبه التأتأة.

 

كما أن الخلافات الأسرية والخلافات بين الأبوين، تعتبر مصدراً لقلق الطفل الصغير وتؤدي إلى التوتر النفسي عنده، مما يؤدي إلى التأتأة. فالأطفال الذين يتكلمون بشكل طبيعي سوف يتلعثمون إذا كانوا قلقين جداً أو متوترین، وتزداد الحالة سوءاً إذا كان لدى الطفل أصلاً ميل إلى التلعثم في المواقف المثيرة للقلق والتوتر؛ لأن القلق والتوتر يفقدان الطفل القدرة على التحكم في العضلات التي تتحكم بالكلام. 

 

كما أن خوف الطفل من أن يبدو بطيئاً أو بليداً، وخوفه من انتقادات الآخرين يخلق عنده توقع بأنه لن يتكلم بشكل جيد، مما يؤدي إلى التأتأة. زد على ذلك فإن عدم استعداد الطفل من الناحية الانفعالية لمواجهة بعض المواقف يؤدي إلى التأتأة تعبيراً عن الخوف والرفض، كما يظهر ذلك في الأداء أمام الأخرين، أو عندما يذهب إلى المدرسة بعد قضاء مدة وهو مريض. 

 

بالإضافة إلى ذلك فإن إرغام الطفل الأعسر على استخدام يده اليمني يؤدي إلى التأتأة. فمن المرجح أن الطفل في هذه الحالة، بالإضافة إلى التوتر والقلق الذي ينتابه فإن جزء الدماغ المسيطر على اليد المفضلة يكون مسؤولاً عن ذلك. فالتأتأة تنجم في هذه الحالة عن التوتر النفسي والتداخل العصبي. وقد تكون بالإضافة إلى ما تقدم ناجمة عن تقليد الطفل أو معايشته لأناس آخرين يعانون من التأتأة نتيجة حبه وتقديره للشخص المصاب. 

 

والتأتأة قد تكون تعبيراً عن حالة نكوصية عند الطفل للحصول على ما يريد، كما قد تكون تعبيراً عن رفض الواقع الذي يعيش فيه، والذي يسوده سوء التوافق سواء في الأسرة أو المدرسة.


المصادر:

الأمراض النفسية والمشكلات السلوكية والدراسية عند الأطفال، د.أحمد محمد الزعبي، دار زهران للنشر والتوزيع – سلطنة عمان، 2013.